الرومانسية الجديدة- فجوة بين المثقفين وتقدم التكنولوجيا
المؤلف: مي خالد11.05.2025

تتفاقم الهوة بين بعض المثقفين ذوي التعليم الرفيع والنظرة العملية للحياة، لا سيما في خضم هيمنة الأتمتة والذكاء الاصطناعي المتزايدة. وينتمي العديد من هؤلاء المفكرين إلى اليسار الجديد الذي بزغ نجمه في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، والذي يدعو إلى حقوق الأقليات، ويكافح من أجل قضايا النسوية، ويدعو إلى الإصلاحات السياسية، وذلك كرد فعل على الماركسية.
لقد شهد التاريخ ظواهر مماثلة، حيث تراجعت النخبة المثقفة عن مواكبة التقدم، تجسد ذلك فيما يعرف بالحركة الرومانسية. ففي مواجهة التغيرات المتسارعة التي أحدثتها الثورة الصناعية والتي أربكت الكثيرين، اختارت الصفوة المثقفة البحث عن أنماط حياة بدائية. وقد تجلى ذلك في حركات مثل الفنون والحرف اليدوية، والأساليب الفنية مثل رواية "فرانكنشتاين" التي تصور عالماً مجنوناً، والحياة القروية الأصيلة التي صورتها روايات هاردي، وكلها تعبر عن حنين دفين لدى المفكرين والمثقفين للعودة إلى الماضي الزاهر.
واليوم، يُنظر إلى الرومانسية على أنها طريق مسدود، وخطأ فادح تحول بشكل غريب إلى المد القومي المتطرف.
إنني أتحفظ على التوقف وبناء الأفكار على أساس ردود الأفعال، لأننا لا يمكننا إلا أن نتقدم إلى الأمام، وعلينا أن نكتشف كيف سيكون شكل هذا التقدم المنشود. فالمستقبل لا محالة سيكون أكثر ثراءً بالمعرفة والقدرات مقارنة بحاضرنا الراهن، ونحن بحاجة ماسة إلى تطوير ثقافاتنا لتواكب هذا التطور المتسارع. ففي القرن التاسع عشر، تفوقت أوروبا على المستوى التكنولوجي، ولكنها شهدت ركوداً ملحوظاً على عدد من الأبعاد الثقافية الهامة.
وقد انتهى هذا الركود الفكري الملحوظ بمأساة دامية في القرن العشرين، عندما حمل القوميون الرومانسيون أسلحة آلية ودبابات متطورة. وشنت الحربان العالميتان على التوالي، وتحول الفكر والثقافة إلى أدوات طيعة في خدمة قادة الجيوش. بل إنهم ألفوا الكتب والمجلدات لتبرير مواقفهم الدفاعية وتبرير معاركهم الطاحنة.
لا يوجد وسطاء نزيهون بحق.
لعله مما يبرر قلقي العميق اعتقادي الراسخ بأننا نعيش في عصر رومانسي ثانٍ، حيث تتجه الطليعة الثقافية إلى الداخل وتنأى بنفسها عن التفاعل البناء مع وتيرة التغيير المتسارعة التي يفرضها العلم الحديث.
إن الثقافة والتكنولوجيا يجب أن تتطورا جنباً إلى جنب وبشكل متناغم، فقد خرج مارد التكنولوجيا بالفعل من قمقمه. ولا يجوز لنا على الإطلاق أن نتجمد في مكاننا، بل يجب علينا أن نسعى جاهدين لجعل القوى الهائلة التي أطلقها العلم قوى إنسانية بناءة. أكتب هذه الخواطر المتأملة على خلفية مشهد مؤلم بثته شبكات الإنترنت في مطلع الأسبوع، يظهر روبوتاً ينهال باللكمات على شاشة تلفزيون فيحطمها، بينما يقول الرجل الذي يمتلكه أمام بث مباشر: "إن هذا الروبوت عديم الفائدة تماماً".
لقد شهد التاريخ ظواهر مماثلة، حيث تراجعت النخبة المثقفة عن مواكبة التقدم، تجسد ذلك فيما يعرف بالحركة الرومانسية. ففي مواجهة التغيرات المتسارعة التي أحدثتها الثورة الصناعية والتي أربكت الكثيرين، اختارت الصفوة المثقفة البحث عن أنماط حياة بدائية. وقد تجلى ذلك في حركات مثل الفنون والحرف اليدوية، والأساليب الفنية مثل رواية "فرانكنشتاين" التي تصور عالماً مجنوناً، والحياة القروية الأصيلة التي صورتها روايات هاردي، وكلها تعبر عن حنين دفين لدى المفكرين والمثقفين للعودة إلى الماضي الزاهر.
واليوم، يُنظر إلى الرومانسية على أنها طريق مسدود، وخطأ فادح تحول بشكل غريب إلى المد القومي المتطرف.
إنني أتحفظ على التوقف وبناء الأفكار على أساس ردود الأفعال، لأننا لا يمكننا إلا أن نتقدم إلى الأمام، وعلينا أن نكتشف كيف سيكون شكل هذا التقدم المنشود. فالمستقبل لا محالة سيكون أكثر ثراءً بالمعرفة والقدرات مقارنة بحاضرنا الراهن، ونحن بحاجة ماسة إلى تطوير ثقافاتنا لتواكب هذا التطور المتسارع. ففي القرن التاسع عشر، تفوقت أوروبا على المستوى التكنولوجي، ولكنها شهدت ركوداً ملحوظاً على عدد من الأبعاد الثقافية الهامة.
وقد انتهى هذا الركود الفكري الملحوظ بمأساة دامية في القرن العشرين، عندما حمل القوميون الرومانسيون أسلحة آلية ودبابات متطورة. وشنت الحربان العالميتان على التوالي، وتحول الفكر والثقافة إلى أدوات طيعة في خدمة قادة الجيوش. بل إنهم ألفوا الكتب والمجلدات لتبرير مواقفهم الدفاعية وتبرير معاركهم الطاحنة.
لا يوجد وسطاء نزيهون بحق.
لعله مما يبرر قلقي العميق اعتقادي الراسخ بأننا نعيش في عصر رومانسي ثانٍ، حيث تتجه الطليعة الثقافية إلى الداخل وتنأى بنفسها عن التفاعل البناء مع وتيرة التغيير المتسارعة التي يفرضها العلم الحديث.
إن الثقافة والتكنولوجيا يجب أن تتطورا جنباً إلى جنب وبشكل متناغم، فقد خرج مارد التكنولوجيا بالفعل من قمقمه. ولا يجوز لنا على الإطلاق أن نتجمد في مكاننا، بل يجب علينا أن نسعى جاهدين لجعل القوى الهائلة التي أطلقها العلم قوى إنسانية بناءة. أكتب هذه الخواطر المتأملة على خلفية مشهد مؤلم بثته شبكات الإنترنت في مطلع الأسبوع، يظهر روبوتاً ينهال باللكمات على شاشة تلفزيون فيحطمها، بينما يقول الرجل الذي يمتلكه أمام بث مباشر: "إن هذا الروبوت عديم الفائدة تماماً".
